علينا أن نطلب المستحيل حتى نحصل على الممكن
في وقت حرج تتخبّط فيه سفينة البلاد شرقا وغربا، بطولها وعرضها، وقد تقاذفتها أمواج السياسة، وفشل القيادة السياسية في الوصول بها لبرّ الأمان، يتجه ملايين المصريين نحو غرفة القيادة لخلع القبطان الذي اتضح أنه غير مؤهل لاستكمال الرحلة، غير أن هناك حشدا من الركاب ما زال يطالبه بالبقاء في موقعه، ويُهدّد بالشجار والدمار إذا ما تمّ خلعه عنوة، وخلع مَن سيأتي بعده بنفس الطريقة؛ فهل يتحمّل المركب الهزيل هذا الشجار وهو يتأرجح في عرض البحر؟
لو كانت إجابتك بـ"لا"، دعني أنتقل معك حينها لسؤال آخر أكثر أهمية، وهو: هل تضمن أن يصل هذا القبطان الهاوي غير المؤهل للقيادة إلى برّ الأمان بطريقة قيادته المتخبّطة التي أفزعت معظم الركاب ليبدأوا في سحب الثقة منه واحدا تلو الآخر، ويتخلّى عنه باقي البحّارة والمساعدين ليعلنوا للركاب إبراء ذمتهم وإخلاء مسئوليتهم؟
هل نصمت ونترك السفينة تبحر بنا نحو المجهول ليصبح الهلاك مصيرنا المحتوم؛ خوفا من الصدام مع بعض الركاب المؤيّدين الذين ينتمون للقائد أكثر من انتمائهم للسفينة، ويفضّلون الموت المؤكّد عن محاولة استبدال القبطان بآخر يثق فيه الركاب حتى لا يُعايرهم أحد بفشل قبطانهم؟
عندها سأفضّل الصدام واحتمالية الغرق مع وجود احتمال آخر لنجاة المركب، بدلا من الصمت والخنوع الذي يجعل النهاية مسألة وقت لا أكثر قبل أن يبتلعنا عرض البحر جميعا مؤيّدين ومعارضين.
سأخوض المواجهة مضطرّا، وأنا أخشى على سفينتي التي على متنها والدي ووالدتي، وأخي وأختي، وزوجتي وابنتي، وكل مَن أحبّ في الوجود، لكني لن أنسى في غمار المواجهة أن أنحّي العنف والخراب جانبا، وألا أبدأ بهما أبدا.
فقط سأتجه أنا ومَن هم مثلي من المعترضين على طريقة قيادة السفينة نحو غرفة القيادة وأطالب القبطان بالرحيل، وأنا أعلم تماما أنه عنيد مثل القبطان الذي كان يسبقه، وهذا النوع من العقول المتحجّرة لا يصلح معها اللين، بل يحتاج لصرامة وحزم وإرادة حقيقية تجبره على التراجع عن موقفه، وتقديم المزيد من التنازلات بعد أن كان يرفض مبدأ التفاوض من الأساس، وهذا ما أبتغيه في حقيقة الأمر!
نعم.. أطالب بخلعه ورحيله، لكني على ثقة تامة إلى حدّ اليقين أنه إذا ما تخلّى عن منصبه؛ فسيعود الركاب إلى التناحر والخلاف من أجل الجلوس على الكرسي، ليصبح أصدقاء اليوم من المعارضين للقبطان الحالي، خصوما وأعداء الغد حين تحين لحظة اختيار قبطان جديد، بخلاف استعداد الركاب المؤيّدين للقبطان الحالي لاتّباع نفس المنهج والأسلوب في الاحتشاد ضد الرئيس المدني الجديد لإسقاطه بنفس الطريقة إذا كان انتماؤه وهويته لا تتفق معهم، والمطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكّرة مرة أخرى في دائرة عبثية لا نهاية لها.
لذا.. فعلينا أن نطلب المستحيل حتى نحصل على الممكن.. علينا أن نطالب بالخلع والرحيل حتى نحصل على مكاسب فرض إرادتنا وإملاء شروطنا، ليخرج علينا القبطان مرسي بخطاب -يُشبه الخطاب الثاني لمبارك- يُعلن فيه هزيمته وانسحاقه واستعداده التام لتلبية كل المطالب والرغبات، مع الفارق أنه لن يجد مَن يبكي تعاطفا معه وتأثّرا لحاله هذه المرة، وقد تخلّى ركاب السفينة المصرية عن جزء كبير من عاطفتهم ومشاعرهم بعد أن طحنتهم الأيام والظروف، وذاقوا مرارة التجربة، وتخلّى عنه عدد هائل من الإسلاميين الذين خسرهم يوما بعد يوم، وعلينا حينها أن نكون جاهزين بمطالبنا، مع الحصول على كل الضمانات للحفاظ على هذه المكاسب والمكتسبات خلال باقي مدة حكمه.
أمّا الاستمرار في المطالبة بالرحيل -بعد أن يحقّق مطالبنا- فسيجرّ البلاد إلى حرب أهلية محتمة لم تحدث وقت مبارك الذي لم يكن لديه مؤيّدون لديهم السلاح والفكر الجهادي المتشدد، وحتى إذا ما تدخّل الجيش لحمايتنا فسيتورّط حينها في صراع مع جزء من الشعب، بينما هناك أعين خبيثة وأيادٍ شيطانية تنتظر الفرصة للانقضاض على قواتنا المسلحة والشعب المصري.
جهّزوا مطالبكم من الآن، وهيّئوا أنفسكم لإملاء الشروط، ولا تكرّروا غلطة الأمس حين أصررنا على رحيل مبارك دون أن يكون لدينا البديل والخطة التي ننفّذها بعد تحقيق هذا المطلب الشعبي؛ فوقعنا مع مجلس عسكري لم يحقّق طموح الثوار، وحوّل هتافاتهم من "الجيش والشعب إيد واحدة" إلى: "قول ماتخافشي.. المجلس لازم يمشي"، و"يسقط يسقط.. حكم العسكر"، ولا تغرنّكم هزيمة وتراجع القبطان العنيد لترفعوا سقف المطالب إلى ما يودي بمصر نحو الهلاك.
ومن الآن.. هناك مطالب ثورية جاهزة، مع مطالب أخرى تمّت إضافتها في عهد مرسي مثل:
1- إعادة فتح التحقيقات في كل القضايا المتعلّقة برموز النظام السابق في ظلّ ما توفّر حاليا من أدلة جديدة قد تُغيّر مسار القضايا؛ سواء المحكوم فيها أو التي ما زالت تُنظر في ساحات القضاء، وذلك في محاكم ثورية لكل مَن تورّط في قتل الشعب المصري، وتعويض أسر الشهداء والمصابين بالقدر الكافي.
2- التحقيق مع المتورطين في الجرائم التي حدثت في عهد المجلس العسكري؛ سواء أحداث مسرح البالون أو ماسبيرو أو محمد محمود أو مجلس الوزراء.
3- إعلان الحقائق والتحقيقات في أحداث الاتحادية وباقي الجرائم السياسية التي تمّ ارتكابها منذ تولّي الرئيس الحالي السلطة، ومطالبة كل مَن لديه أي دليل أو فيديو أو صورة أو وثيقة بسرعة تقديمها للعدالة.
4- إقالة النائب العام الحالي، مع إسناد مهمة تعيين النائب العام الجديد للمجلس الأعلى للقضاء، واختيار شخصية مستقلة لها سمعتها واحترامها، ولا تتبع لرئيس الجمهورية.
5- إعادة النقاش وتعديل المواد الخلافية في الدستور الحالي المعيب.
6- وضع جدول اقتصادي يستغلّ كل موارد مصر، ويبحث في كل المشروعات الواجب القيام بها من أجل نهضة هذا البلد، ثم طرح المشروعات التي تحتاج إلى ميزانيات ضخمة إلى اكتتاب شعبي للمصريين فقط، مع إسناد الملف الاقتصادي لشخصية مصرية مستقلة غير إخوانية، ولها خبرتها الدولية المشهود لها بالكفاءة.
7- إعادة هيكلة وزارة الداخلية لتصبح جهازا مستقلا أُسوة بالدول المتقدّمة، وطرح الأمر للدراسة والتعديل من جانب المتخصّصين؛ سواء الخبراء الأمنيين أو الخبراء في علوم الإدارة.
8- وضع آليات واضحة ومحدّدة لاستقبال الكثير من الكفاءات العلمية وأصحاب الخبرات الفريدة الذين استفادت منهم الدول المتقدّمة، في شتى مجالات العلوم والفكر الإنساني، للعودة لبلادهم وتقديم يد العون وإمدادنا بكامل خبراتهم، وتقديم الدعم الكامل لهم، لتحويل أفكارهم ومقترحاتهم إلى واقع؛ مثل: المهندس هاني عازر صاحب الفضل في تطوير مترو الأنفاق بألمانيا، والدكتور سمير نجيب بانوب صاحب الفضل في وضع أسس نظام التأمين الصحي الشامل في الولايات المتحدة، بعد رسم السياسات الصحية وإدارة المستشفيات، وإنشاء جهاز باسم "تطوير مصر" لاستقبال أفكار ومقترحات ومشروعات المواطنين، لتحويلها إلى واقع أفضل ينشل مصر من كبوتها وعثرتها.
9- إلغاء كل القوانين التي أصدرها مجلس الشورى، وإرجاء البت فيها لحين إجراء انتخابات مجلس شعب نزيهة بإشراف دولي ومحلي، في أقرب وقت، وتشكيل الحكومة من الأغلبية أيا ما كانت.
10- الإفراج عن المعتقلين السياسيين، مع التعهد بعدم كبت الحريات وسجن المعارضين.
11- عمل مصالحة وطنية بين رموز التيار الإسلامي، والتيار الليبرالي، ورموز ورجال أعمال النظام السابق من غير المتورطين في قضايا القتل.
وحتى يحين موعد تنفيذ ذلك، موعدنا عند الاتحادية يوم 30 يونيو، والله الموفّق والمستعان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق